الهـــــــــــــجرة القـــــــــــــــــــــروية
موضوع اليوم يتكلم عن ظاهرة أصبحت تعاني منها الكثير من المدن العربية الكبرى و هي ظاهرة الهجرة القروية أو بالأحرى هجرة سكان البوادي الى المدن الكبرى بحثا عن حياة أفضل لكن دون التفكير بعواقب هذا الانتقال.
سأتكلم عن هذه القضية بمنظور مغربي و من خلال ما عايشته في مدينتي "الدارالبيضاء" كواحد من أكبر المدن العربية و التي تعاني بهذه الظاهرة بشكل كبير و كبير جدا لدرجة أنه أصبح من الصعب العيش في هذه المدينة.
أغلب سكان البوادي في المغرب يغادرون الدراسة اما في سن مبكرة أو لم يزوروا المدرسة من قبل قط .. فيكونوا أغلبهم غير واعيين .. الكثيرون منهم يعيش في أوضاع صعبة حيث هناك من يضطر الى قطع كيلومترات من أجل الماء و الآخر من أجل الدراسة .. بينما أعمالهم تقتصر على الفلاحة و رعي الغنم و ما يتعلق بها من أشياء أخرى في نطاق البوادي.
و يعتبر الأغلبية الساحقة من هؤلاء الناس أن الهجرة للمدينة سيكون حلا للكثير من مشاكلهم .. معقدين أن المدينة هي أرض الأحلام "El Dorado" أي ما أن تطئ أقدامهم المدينة سيجدون الوظائف متوافرة و الأموال على الطرقات .. خصوصا اذا سمعوا عن تجربة ناجحة لأحد أبناء قريتهم هاجر سابثا الى المدينة .. و كيف أصبح ذو مال .. و يمتلك منزلا و سيارة ناهيك عن رصيد بنكي .. فتجدهم يجمعون ما يملكون استعداد لرحلة البحث عن السعادة.
سلبيات الهجرة القروية:
1- ما ان يصل المهاجرون الى المدينة يبدأون بالبحث عن مقر السكن .. فلا يجدون نظرا لاتفاع الأسعار بشكل خيالي خاصة في مدينة كـ "الدارالبيضاء" .. فما يكون منهم أن ينتظروا مجيء الليل ليقوم ببناء شبع بيت يشكل خطرا عليهم في أحد دور الصفيخ التي سبقها اليهم مهاجرون سابقون .. فتكون أول ظاهرة للهجرة هي انتشار دور الصفيح التي لا تتوفر على ماء أو كهرباء "يقومن بسرقته من الأسلاك المارة". و هذه صورتين من التقاطي لأحد أحياء الصفيح الذي تطل عليه احدى شققنا بالدارالبيضاء:
2- ثاني نقطة و هي فيما يخص العمل .. حيث تجدهم يبحثون عمل جيد لاعالة أسرة غالبا ما تتكون من أكثر من 5 أفراد .. لكن أغلبهم دون مستوى دراسي معين و دون شهادات أو شيء .. فتراهم يعملون أعمالا بأجور بخسة و منهم من لا يجد عملا اطلاقا ف لا يكون أمامه سوى الخروج لاعتراض سبيل الناس و سلبهم أغلى ما يملكون من أجل بيعه و الانتفاع بثمنه .. بل و تجد من يظطر الى العمل في تجارة المخدرات لأنها الطريق الأسرع للغنى.
3- ثالث نقطة و هي مهمة جدا بالنسبة لي و لاحظتها شخصيا من خلال مروري بأحد الأحياء التي لا تضم سوى المهاجرين و هي أن أغلبهم غير واعي و غير مثقف .. يتكلمون بلهجة قبيحة تشمأز منها .. تحمل الكثير من مظاهر التخلف .. أضف الى ذلك تصرفاتهم غير الحضارية حيث تجدهم يرمون الأزبال في كل مكان .. غياب المياه عن بيوتهم الصفيحية يجعلهم لا يستحمون الا نادرا مما يؤثر على صحة من يخالطهم من أبناء المدينة سواء في المدرسة أو غيرها .. و لا أنسى أن أذكر أن أبنائهم حتى و ان كانوا مزدادين في المدينة فلا فرق بينهم و بين آبائهم.
4- نقطة رابعة و هي كثرة السعاة حيث تجد أمام كل محل امرأة أو اثنين يمدون يد المساعدة .. منهم من عمل ثروة من ذلك فقط .. فأصبحت تجده في كل مكان، منهم من يصعد الحافلات و منهم من يمر على المقاهي واحدا تلو الآخر، ومنهم من يجلس أمام المساجد و المقابر ....
5- نقطة أخرى و دائما أتحدث عن ما رأيته بعيني في الدارالبيضاء .. تجدهم مثلا يتنقلون بأعداد كبيرة مثلا في مركز المدينة و يتصرفون تصرفات همجية كالصياح بصوت عالي و معاكسة النساء و البنات دون احترام من معهم .. منهم من يعتدي على الممتلكات العامة و منهم من يرمي مخلفاته في الشوارع .. بأشكالهم الغير مرتبة التي لا تدل اطلاقا على أنهم أبناء المدينة.
ايجابيات الهجرة:
ايجابيات هذه الظاهرة تعد على رؤوس الأصابع بل حتى انها لا تساوي السلبيات و أستطيع أن أذكر منها القليل من خلال ما لاحظت:
1- من المهاجرين من يقبل بالعمل في أشغال شاقة و بأجور منخفضة .. أعمال لن يرضى العمل فيها أبناء المدينة خاصة اذا كان مثقف و صاحب شواهد .. كالعمل في البناء و المساهمة في بناء المدينة و العمل كسائق أجرة كبيرة (لأنه في المغرب يوجد سيارات الأجرة الصغير كالتي في باقي الدول و سيارات الأجرة الكبيرة التي أظن توجد فقط في المغرب و التي لها ثمن محدد و لا تنطلق قبل اكتمال العدد "6" ركاب) و باقي الأعمال الأخرى التي غالبا ما تكون صعبة و أجورها منخفضة.
2- منهمأيضا من يتطوع للعمل في الجيش أو قوات الأمن للتدخل السريع .. و التي تجدهم غالبا في الملاعب لمكافحة الشغب و في الطرقات لمنع الانفلاتات بين الجماهير قبل و بعد المباريات الكبرى كالديربي.
و هذا كل ما يمكنني رؤيته و ايجاده من ايجابيات.
هذه الظاهرة أصبح من صعب جدا الحد منها .. رغم مجهودات الدولة الكبيرة للحد من السلبيات التي ذكرت .. من خلال بناء اقامات سكنية و توزيعها عليهم و كذلك تزويد بعض دور الصفيح بالماء و الكهرباء رغم أن هذه الدور مخالفة للقانون باستغلالها لأراضي الناس دون مقابل و بناء مساكن غير صالحة للسكن .. دون أن ننسى المجهودات الفعلية للزج بقطاع الطرق بالسجن و حل العصابات و ايقاف بيع المخدرات و ان كان ذلك صعبا في ضل التوافد الكبير للمهاجرين على الدارالبيضاء خاصة في الآونة الأخيرة حيث أصبح يناهز عدد سكون المدينة ما يصل الى 9 ملايين مليون نسمة .. و أرى الحل المناسب للحد من هذه الظاهرة هو اما ترحيل هؤلاء الناس الى قراهم أو العمل على توفير أحياء خاصة بهم متوفرة على كل شيء و لا يضطرون لمغادرتها الا نادرا .. حيث فعليا أصبحت الدارالبيضاء مقسمة الى عدة أحياء منها من يضم فقط المهاجرين .. حيث عندما تدخل اليعا و كأنك تدخل الى قرية وسط المدينة و تسمع كلام غير ما انت معتاد عليه و أشكال غريبة في طريقة اللبس و التعامل.
إرسال تعليق