لقد رفع دعاة العولمة شعارات براقة، ولكن الممارسات من الدول الكبرى التي قدمت مصالحها على الشعارات، جعلت شعاراتهم في واد، وواقع التعامل مع غيرهم في واد آخر، ومن تلك الشعارات:
أ- حقوق الإنسان:
ومعنى ذلك أن لكل إنسان حق الحياة وحق حرية المعتقد وحق حرية التملك، وحق حرية التعبير عن رأيه، وحق المشاركة في رسم مستقبل دولته وأمته..، إنه شعار رائع ولكن ما مدى إمكانية الوصول إليه في ظل العولمة وضغوطها النفسية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية التي تسوقه سوقاً، وتسلب إرادته تجاه مغريات الدعاية المبرمجة، وتفرض عليه سلوكاً محدداً، فإن لم يسر مع التيار الجارف كان مصيره الدمار أو الإهمال.
ب- الاحتكام إلى المؤسسات الدولية والقانون الدولي لحل المنازعات والصراعات في العالم:
لو تغلب منطق العقل والحوار على منطق القوة، لما وجدنا في العالم حروباً طاحنة، تستخدم فيها الأسلحة الفتاكة، ولكننا نجد أن الأحكام التي تصدر عن المؤسسات الدولية، لا يرفع لها أهل الجبروت والطغيان رأساً ولا يلقون لها بالاً[1]، وإن اقتضى الأمر إلى تسيير الجيوش، وعقد التحالفات لتعطيل قرارات تلك المؤسسات، وتحقيق مصالحهم فلا يتوانون عنها. بل ربما لجأت بعض الدول الكبرى إلى إهمال دور الأمم المتحدة وتحقيرها إن شعرت بأنها ستكون عقبة في تحقيق مصالحها، وغاياتها التسلطية[2].
ج- التعايش السلمي بين الدول والاحترام المتبادل:
إنه شعار براق لو طبقته الدول ذات النفوذ والقوة، ولكن هذا الشعار الذي رفع قبل العولمة، وتبنته الدول الكبرى والصغرى دائماً لم يجد له في أرض الواقع أثراً، فما زالت الدول الكبرى تسعى لبسط نفوذها الاقتصادي والسياسي على الدول الصغرى، وجعلها أسواقاً استهلاكية لمنتجاتها، وتسعى جاهدة - وفي زمن العولمة خاصة- للتأثير عليها بالتخلي عن نهجها السياسي ونمطها الاجتماعي وخصوصياتها العقدية والثقافية، وجعلها تابعاً ذليلاً في كل شيء للدول الصناعية الكبرى.
د- الدعوة إلى حوار الحضارات:
وهذا من شعارات دعاة العولمة، وهذا الشعار في حقيقته يقر بالتنوع والاختلاف، ولو طبق لأدى إلى إبراز مزايا الحضارات والتفاعل بينها وإفادة بعضها من بعض.
ولكن الذي يجري هو الدعوة إلى التسلط ومسخ الآخرين وإزالة هويتهم وإخراجهم من ميدان الحوار إلى ميدان الصراع، وبالتالي إلى الدمار والهلاك وليس إلى البناء والتكامل والعطاء.
هذه الشعارات من إيجابيات العولمة لو وجدت طريقها إلى التطبيق!.. ولكن ممارسات الدول الكبرى على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، قضت عليها وجعلتها هياكل فارغة من مضمونها الحقيقي، مما أفقد ثقة الناس بها، فرأوا أن لا إيجابية في العولمة.
[1] عشرات القرارات صدرت عن مؤسسات الأمم المتحدة بشأن الفلسطينيين وحقوقهم ولم يطبق منها شيء، بل لجأت الولايات المتحدة الأمريكية إلى استخدام حق النقض (الفيتو) عشرات المرات لتعطيل القرارات. وآخر القرارات الصادرة ما أصدرته محكمة العدل الدولية بتاريخ 9/7/2007م ببطلان إقامة الجدار الفاصل، وإلزام إسرائيل بإزالته والتعويض على الفلسطينيين المتضررين ومن المحقق لن تمكن الولايات المتحدة الأمريكية من أن يرى القرار النور في أروقة الأمم المتحدة.
[2] كما حدث للولايات المتحدة الأمريكية، عند عدم استجابة الأمم المتحدة لرغبتها في غزو العراق.
شارك في التأليف: الأستاذ الدكتور فتحي محمد الزغبي.
إرسال تعليق