-->
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...
recent

هجرة الأدمغة




يطلق مصطلح هجرة الأدمغة Brain Drain على هجرة العلماء والمتخصصين في مختلف فروع العلم والمعرفة من البلدان النامية إلى البلدان الصناعية المتقدمة أو المعرفية. وتسهم هذه الهجرة في زيادة فقر البلدان النامية، وزيادة غنى البلدان الصناعية والمعرفية وقوتها؛ لأن البلدان النامية علّمت ودربت هؤلاء العلماء والمتخصصين عشرات السنين، وتلقفتهم البلدان المتقدمة شبه جاهزين، أو بقليل من التعليم والتدريب، فزادت التنمية الشاملة لدى البلدان المتقدمة المستقبلة لهم، ونقصت في البلدان النامية. وبكلام آخر زاد الفقراء فقراً والأغنياء غنى؛ لأن التكنولوجيا إجمالاً يستغلها الأغنياء والأقوياء لمصلحتهم، وخاصة في عصر المعلومات، مما أدى إلى زيادة الفجوة الرقمية التي هي فرق في الميادين المتخصصة في المعرفة والعلم والعقل والاقتصاد والتعليم، أي إنها فجوة شاملة لميادين عديدة، ولاسيما في دخل الفرد والمجتمع، وتزداد هذه الفجوة في القرن الحادي والعشرين.
تعرضت الولايات المتحدة الأمريكية لصدمتين في التاريخ الحديث وهما: صدمة سبوتنك بإطلاق أول قمر صناعي سوڤييتي في تشرين الثاني/نوڤمبر 1957، وصدمة 11 أيلول/سبتمبر 2001 بمهاجمة برجي التجارة العالمية في نيويورك. فأفادت من الأولى بتشجيع هجرة الأدمغة إليها حينما أغرتهم بأجور عالية وامتيازات أخرى، مما مكّنها من إنزال أول إنسان على القمر عام 1969،
وبعد الصدمة الثانية، ركزت الولايات المتحدة على الأدمغة المهاجرة إليها من مختلف
دول العالم، فسعت للإفادة من الأدمغة العربية والعالمية المهاجرة سابقاً في
التنمية لديها، وازدادت سيطرتها على منابع النفط في البلاد العربية.
أدى الاحتلال الصهيوني لفلسطين العربية إلى حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه الأساسية في الوطن والأرض والمال والجنسية؛ مما  سهم في هجرة علمائه وفنييه إلى أوربا وأمريكا وكندا وأستراليا وإلى البلدان العربية النفطية، فأسهموا في بنائها في الخمسين سنة الماضية، وبعضها منحتهم الجنسية والمال والحرية وامتيازات أخرى زادت من هجرتهم من فلسطين ومن البلاد العربية المجاورة. وحدثت هجرة مماثلة من العراق بعد احتلاله من قبل الولايات المتحدة الأمريكية عام 2003. وهاجر من روسيا الاتحادية أكثر من نصف مليون عام 1991 بعد انهيار الاتحاد السوڤييتي، فخسرت روسيا مليارات من الدولارات من الدخل القومي في أقل من عشر سنوات، لذلك عمدت إلى زيادة رواتب علمائها لإيقاف هجرتهم ابتداءً من عام 2005، ولكنهم لا يتقاضون أكثر من ثلث ما تمنحهم الدول المتقدمة. كما أسهم نظام العولمة التجارية في هجرة العلماء والمتخصصين من الهند، ولاسيما في علم المعلوماتية إلى كل من أمريكا وألمانيا في أوائل القرن الحادي والعشرين. لكن هؤلاء العلماء والمتخصصين المهاجرين قد يفيدون عائلاتهم ودولهم؛ أي إنه قد يكون لهجرة الأدمغة جانب إيجابي وآخر سالب، ولكل جانب مؤيدون ومعارضون، ومازال الجدل قائماً بينهما في الندوات، ومنها ندوة اليونسكو المسماة Brain Drain lang=AR-SY style='font-size:14.0pt;font-family:"Simplified Arabic"'> لعام 2005، وقد تم فيها شرح هجرة الأدمغة من أوربا إلى الولايات
المتحدة في عصر النهضة، والهجرة الحديثة من الدول الأوربية الجديدة إلى دولها
القديمة.
أسباب هجرة الأدمغة 
تزايد تعقيد المجتمعات في عصر المعلومات وتزايدت
الفجوة الرقمية بين الدول النامية والدول المتقدمة، وذلك لأسباب عديدة مختلفة من
بلد إلى آخر، ومن ظروف مهاجرين إلى أخرى، من حيث العوائق والمشكلات ولاسيما اضطراب
الأمن في بلادهم، أو الإغراءات المالية والشخصية في البلاد المستقبلة لهم. ولكن
انخفاض مستوى الدخل أو الفقر أو البطالة هو من أولى أسباب الهجرة، وكذلك الاضطرابات
الاجتماعية والسياسية والحروب، والفساد والرشوة، وانعدام الحريات العامة في أحكام
الطوارئ مما يقيِّد حرية الإنسان ويخفض من كرامته. وأسهم إنشاء إسرائيل في قلب
الوطن العربي في حرمان الفلسطينيين من مالهم وأرضهم ومائهم ومنشآتهم التي قاموا
بتأسيسها منذ مئات السنين، فتشردوا في البلاد العربية من دون جنسية، مما سبب الاضطرابات في الشرق الأوسط، وزاد من هجرتهم إلى أقطار العالم والبلاد العربية الأخرى.
ويهاجر كثير من العائلات من البلدان النامية إلى البلدان المتقدمة صناعياً ومعرفياً لتعليم الأبناء في الجامعات المستقبلة لهم،وتمنحهم تلك البلدان الإقامة الدائمة أو الجنسية، وفي هذا استنزاف للبلدان النامية؛ لأن قليلاً منهم عاد إلى الوطن الأم في نهاية القرن العشرين.
مشكلات المهاجرين ونتائج الهجرة نشأت مشكلات عديدة من هجرة الأدمغة والعلماء إلى
البلدان المتقدمة صناعياً ومعرفياً، وأكثر المشكلات أهمية - كما بّينت البحوث الفردية والندوات التي قامت بها المنظمات الدولية، والعربية، مثل: «اليونسكو»،
والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «ألكسو»، والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم «إسسكو» - كانت المشكلات الثقافية. ففي دراسة عن مشكلة المهاجرين المصريين إلى أمريكا، وفي استفتاء باستخدام استبانة وزعت على مهاجرين مصريين عبروا
عن مشكلاتهم في تربية أبنائهم وبناتهم وفق قيمهم الثقافية العربية الإسلامية -
وخاصة بعد سن العاشرة من عمر الابن أو البنت - كانت شدة المخاوف من تنشئة البنت في بيئة غير ملائمة للثقافة العربية والإسلامية. وزادت حدة الصراع الثقافي بعد 11
أيلول 2001، فعاد قسم منهم إلى مواطنهم الأصلية أو إلى بلدان عربية أخرى، مثل دول
النفط في الخليج العربي؛ إذ زاد اتهام المسلمين والعرب بالإرهاب، أما الباقون
فيعانون ضغوطاً نفسية واجتماعية لا تعرف نتائجها حتى اليوم.
تغيرت هجرة الأدمغة وفق تطور العصور الماضية في عصري الزراعة والصناعة، وتغيرت في عصر المعلومات والمعرفة، وزادت الفجوة بين الفقراء والأغنياء وبين البلدان المتأخرة معرفياً والمتقدمة معرفياً؛ لأن الأنظمة المتقدمة معرفياً أكثر قوة وسيطرة وديمقراطية، وتهيئ للأدمغة المتخصصة ظروفاً أفضل للعمل، ولكن العولمة المعرفية والاقتصادية قد تتيح للإنسان التعلم بغض النظر عن الإعاقات في مستوى الدخل، والحواجز الجغرافية والزمانية، مما يكسب الأفراد التقدم من دون الحاجة إلى الهجرة والنزوح عن أوطانهم، وذلك بالتعلم بالإنترنت[ر].
ويصعب التوقع بمستقبل هجرة الأدمغة؛ لأن الأدمغة تستطيع العمل عن بعد مع شركات ومؤسسات بعيدة في المكان، فالمعلومات ترابطت مع نظام الاتصالات والإعلام. وبهذا الجمع يستطيع القادر معرفياً ومعلوماتياً أن يحسِّن دخله ومستواه، ويسهم في تنمية عائلته ومجتمعه.

إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

مدونة الطالب

2016