-->
recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...
recent

مفهوم التَّسامح


مفهوم التَّسامح

التَّسامح في اللُّغة العربيّة وفي عُرف النَّاس هو الصَّفح والعفو والمسامحة ممّن يمتلك القُدرة على الانتقام وانتزاع الحقّ باليدّ من الأقل منه والذي تسبب له بالأذى أو الضرر وأقدره الله عليه، والإعلان الدَّوليّ للتسامح الصَّادر سنة 1995م عرَّفه بالنّص التَّالي:"إنّ التّسامح يعني الاحترام والقبول والتّقدير للتّنوع الثريّ لثقافات عالمنا ولأشكال التّعبير وللصِّفات الإنسانيّة لدينا. ويتعززّ هذا التسامح بالمعرفة والانفتاح والاتصال وحرية الفِكر والضمير والمُعتقَد. وأنَّه الوئام في سياق الاختلاف، وهو ليس واجبًا أخلاقيًّا فحسب، وإنما هو واجبٌ سياسيٌّ وقانونيٌّ أيضًا، والتَّسامح هو الفضيلة التي تُيسِّر قيام السَّلام، تُسهِم في إحلال ثقافة السَّلام مَحلَّ ثقافة الحرب".

تطوَّر مفهوم التَّسامح

تطوَّر مفهوم التَّسامح في العصر الحديث منذ القرن السَّادس عشر الميلاديّ وهي الفترة التي امتازت بالصِّراعات العنيفة بين الكنيستين الكاثوليكيّة والبروتستانتيّة؛ ممّا دفع المفكرين إلى إيجاد مفهوم التَّسامح بين الطَّرفين لتخفيف حدّة النِّزاع، ومع نهاية القرن التاسع عشر الميلاديّ أخذ مفهوم التَّسامح أبعادًا كثيرةً في شتّى المجالات العقائديّة والدِّينيّة والعِرقيّة حتّى أصبح منهجًا فلسفيًّا. وقد ظهر العديد من المفكرين الذين تبنَّوا مفهوم التَّسامح للتَّعايش بين النَّاس وعلى رأسهم صاحب رسالةٍ في التَّسامح والتي كُتبت في سنة 1689م من قِبل جون لوك؛ فكتبها لتخفيف الصِّراع بين الكاثوليك والبروتستانت، وفولتير الذي لُقِّب فيلسوف التَّسامح؛ لأنّه أغنى الفِكر العالميّ بمجموعةٍ كبيرةٍ من المؤلفات القيمة حول التَّسامح وتعريفه وحول حقوق الإنسان. وفي سنة 1948م تمّ الإعلان عن مجموعةٍ من المواثيق الدَّوليّة حول حقوق الإنسان؛ فقد جاء في نصّ المادة الثَّامنة عشرة: "إنّ لكل شخص الحقّ في حريّة التَّفكير والضَّمير والدِّين". تلا ذلك وفي عام 1995م الإعلان الدَّولي للتَّسامح ووضعت منظَّمة اليونسكو وثيقته، ويتكوَّن الإعلان من ستِّ مواد: معنى التَّسامح، ودور الدَّولة، والأبعاد الاجتماعيّة، والتَّعليم، والالتزام بالعمل، واليوم الدَّولي للتَّسامح.

التَّسامح في الدِّين الإسلاميّ

يعتبر الدِّين الإسلاميّ من أكثر الأديان السَّماويّة تسامحًا واهتمامًا بقيمة التَّسامح كقيمةٍ إنسانيّةٍ واجتماعيّةٍ وأخلاقيّةٍ؛ فقد اشتملت النُّصوص الدِّينيّة في القرآن الكريم والسُّنّة النَّبويّة على ذِكر التّسامح والصَّفح والعفو الذي لا يتبعه منٌّ ولا أذى، وإنَّما هو من باب إرضاء الله تعالى ونشر للخير والتَّعايش السِّلميّ بين الأجناس البشريّة على اختلاف مشاربها. وقدّ وجّه الله تعالى النّبي صلى الله عليه وسلم نحو قيمة التَّسامح في أكثر من موضعٍ في القرآن؛ فهو قدوة المسلمين واتّباعه أمرٌ واجبٌ يُثاب المسلم عليه ومنها، قال تعالى: ﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾؛ ففي هذه الآية الكريمة خِطاب للنَّبي صلى الله عليه وسلم ولأمته من بعده بوجوب الصَّفح وترك المؤاخذة والانتقام، وقد قرنت الآية الكريمة ما بين الصَّفح والتسامح والسَّلام. وفي السِّيرة العَطرة للنّبي صلى الله عليه وسلم العديد من المواقف التي تسامح فيها النَّبي وعفا عمّن ظلمه وأخرجه من دياره ووصفه بالجنون والسِّحر والكذب وقتل أتباعه؛ فقد رفض طلب مَلَك الجبال أنْ يُطبق عليهم الأخشبين- جبليّن عظيميّن- وعفا عنهم رجاء أنْ يؤمنوا هم وذريتهم، وعفا كذلك عن كفّار قريشٍ يوم فتح مكّة، كما أنّه ترك للقبائل العربيّة حُرية المُعتقَد فبقيت قبائل نجران على النَّصرانيّة وعقد لهم المعاهدات على حُريّة العِبادة، وقام بالفعل نفسه مع القبائل اليهوديّة في المدينة.
أهمية التسامح :
ويُعتبر التسامح مطلوباً أكثر في مجتمعاتٍ تتميّز باختلاط أجناسها وتعدّد أديانها، فهي في هذا الوضع أكثر المجتمعات حاجةً للتسامح والغفران، والذي ينبذ العنصريّة، ويدل على اتساع أفق فكر الإنسان ورحابة صدره، فالمختلف عنه ليس بالضرورة غريباً أو غبياً، أو مدعاةً للسخرية، أو أن يكرهه الناس من اللحظة الأولى، فخُلُقُ الاحترام مطلوبٌ في كل الديانات السماوية، ودعا إليه كل الرسل عليهم الصلاة والسلام، كما أنّ العنصري يضيع على نفسه فرصة التعرّف على مزاياهم الجميلة، والتي قد تغيّر الكثير في حياته، وينعكس التسامح على الفرد بحالةٍ نفسيةٍ صحيةٍ لا تعرف الحقد أو الغضب أو العنف، ممّا يعود على المجتمع بالخير من خلال تماسكه وتجنيبه لكافة أشكال الدمار والحروب والصراعات والاضطرابات التي قد تفتك بأفراده. ومما يجدر ذكره أنّ للتربية دورٌ مهمٌ في إنتاج أشخاصٍ متسامحين، فالأهل الذين حرصوا على زرع أفكارٍ عنصريّةٍ وحاقدةٍ في نفوس أبنائهم من الصغر لن يحصدوا إلا أشخاصاً مريضين في شخصيّاتهم وقلوبهم وسلوكيّاتهم، وبالتالي يلحقون الأذى بمن حولهم، أمّا الأهل الذين ربّوا أبناءهم على الاحترام والأخلاق وفعل الخير ونسيان السيء ممّا مر بحياتهم لا بدّ أنهم سيحصدون جيلاً واعياً، يبني المجتمع ويقويه، ويطوّره ولا يلتفت إلى العيوب وإساءة من حوله، ويتجاوزها بسهولة.

إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

مدونة الطالب

2016